لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يميز بين أبنائه دون أدنى اكتراث
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يفعل معك فعل الاحتضان إلا بين جدران زنازينه
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يعبر على الفقراء والمهمشين
.. يعبر عليهم عبور الظلام
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا تشعر فيه بإنسانيتك
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يتعامل معك كشيء من الأشياء الرخيصة
يتعامل
معك كشيء .. وأنت الكائن
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يوإد الأحلام التي تكتنزها في قلبك لأطفالك
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي ينكر تاريخه المبهر ويفتخر بتاريخ لا يمكن أن يخلد
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يطعم جسدك الخبز ولا روحك الحرية
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي وأنت في مسكنه تشعر أنك بلا مأوى
وأنت
في غرفتك الخاصة جداً تشعر أنك عارياً ..
وصوت
أنفاسك تم تسجيله لدى الأجهزة المعنية
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا تشعر فيه بالأمان إلا وأنت في أحضان الكفن
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي تأكل زراعته فيصيبك السرطان في مقتل
وتشرب
مائه فتفشل كليتيك
وتستنشق
هوائه فتموت مختنقاً
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يغتال معارضيه برصاص أو بإشاعة رخيصة
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يعطيك فقط حق النباح .. ويسلبك كل حقوق المواطنة
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي ينتهكك في وضح النهار أمام كل العدسات على الهواء مباشرة ..
دون حياء .. ودون قانون .. ودون عقل
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يكيل بمكيالين ..
ويأكل
على كل الموائد ..
بلا
تمييز في اللون أو الطعم أو الرائحة
حيث
تخمة الفساد .. وتجاعيد الترهل
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يستعبدك .. ويطلب منك ألا تثور للحفاظ على السلام الاجتماعي
.. والوحدة الوطنية .. والأمن العام
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يسجن الصحفيين .. ويصادر الكتب .. ويقصف الأقلام في القرن
الحادي والعشرين بكل تبجح
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يذبل فيه الفقير ويدفن حيا .. ويتضخم فيه الغني ويصبح برجاً
شاهقاً
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يتحرش بالمرأة في البيت والمدرسة والعمل ووسائل مواصلاته غير
الآدمية
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يتعامل مع المرأة باعتبارها سلعة تباع وتشترى
وتغطى
حيناً .. وتتعرى في وقت الحاجة
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يعمل فيه الأطفال ويحرموا من سنين طفولتهم البريئة والحُرة لسد
جوع بطونهم وبطون آبائهم
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي أفرغ شعارات الحياة الحقة من مضامينها ..
حيث
العدالة .. لا تعني شيء
والكرامة
.. لا تعني شيء
والحرية
.. لا تعني شيء
والمساواة
.. لا تعني شيء
والقانون
هو بطش المـُستبد
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا تحلم فيه بغد أفضل
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي تظل تحبه دون أسباب منطقية ولا موضوعية ولا واقعية
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يجعلك لا تفكر إلا في آخرتك
ويغتال
تفكيرك في دنياك وأنت حي
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يرسخ ثقافة القهر فنصبح ملايين من المقهورين محترفي الـ
" نعم "
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يصدر للعالم عاهات تحتاج إلى مصحة وقنابل موقوتة جاهزة
للإنفجار
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يشاركك أحلامك ولا تشاركه أحلامه
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي ينخر كالسوس في انتمائك كل لحظة وطرفة عين
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يقدس العمل
رغم
أنه يتشدق كل يوم أن العمل عبادة
وطن
بلا عمل حقيقي .. وطن بلا عبادة حقيقية
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يتنصت عليك ..
لعله
يحتاج أن يتهمك يوماً أو يشتريك يوماً
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يصنع كل شيء تحت الحصار .. حصار العسس
الشارع
محاصر .. الحزب محاصر .. الجريدة محاصرة ..
ملاك
يمين .. وملاك يسار .. ومخبر
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يعرف كيف يخرج من عنق الزجاجة منذ قرون
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يحترم الآخر ولا يعطيه كل حقوقه وفي ذات الوقت يطالبه بكل
واجباته
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يدرك أن العقيدة شيء شديد الخصوصية .. وأن كل شخص من حقه أن يؤمن أو يكفر .. أن
يحب امرأة سمراء أو شقراء .. أن يكتب قصيدة أو ينحت تحفته الخاصة .. لأنه حـُر ..
" فقد خلقنا الله أحراراً "
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يفهم أن التعددية هي الحل .. وليست الأحادية
وأن
التنوع هو حالة الثراء الوحيدة .. والأحادية هي حالة الفقر البليدة
وإذا كنت لا تصدق ..
أنظر لنا وأنظر لهم !!
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا تحكمه الديمقراطية المعرفية والسياسية وليست هذه
الديمقراطية بالتنقيط .. أقصد بالتنكيت
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي تدعي شرطته أنها في خدمة الشعب بينما هي في الحقيقة في خدمة
الحاكم في قهر الشعب
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يعلن أن الأمة هي مصدر السلطات وهو يعرف أنها ليست كذبته
البيضاء بل كذبته السوداء
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يـُغتال فيه فرج فودة .. وينقذ من الذبح فيه نجيب محفوظ ..
ويحيا منفياً تحت حراسته الدائمة سيد القمني ..
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يتأهل كل يوم ليكون ميدان رماية للجميع وسوق استهلاكي للجميع
لا
أؤمن بهذا الوطن الأخطبوطي الذي يمد يديه وعينيه في كل مكان .. باحث عن فريسته
" مناضل شريف "
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي لا يقدر أن يرفع هامته إلا بقوانين سيئة السـُمعة ، حيث
الديمقراطية الحقيقية تنكس رأسه بعد لحظة واحدة .. وتعري لصوصه الأغبياء
لا
اؤمن بهذا الوطن الذي يخيرك بين البطالة أو التوظيف كمخبر
لا أؤمن بهذا الوطن .. الذي يقيم
الأموات وقت الاقتراع في صناديق الانتخابات ليقولوا موافقون وليكتبوا " نعم
" ..
ويميت الأحياء كل يوم .. يتركهم عرايا
بلا مسكن ولا خبز ولا حرية .. عرايا بلا كفن !
لا أؤمن بهذا الوطن .. الذي يخلط بين
الحكومة والوطن ..
بين حكومة تتغير ووطن راسخ كالهرم ..
حكومة تنتهكنا وتسرقنا وتسلبنا أبسط
حقوقنا وأعقدها ..
ووطن يسكن فينا قبل أن نسكن فيه
حكومة لم نختارها .. لم ننتخبها .. سقطت
علينا من فوق الدبابات والمصفحات ..
ومن مائدة بيعة الحاشية المفسدة للكروم
والأوطان !
الحكومة شيء .. والوطن شيء آخر
هل يستوي الخبيث بالطيب ؟!
الديكتاتور .. بالحـُر ؟!
الجراد .. بقوس قزح ؟!
لا أؤمن بهذا الوطن الذي أصابنا بالعقم
.. والخلل
فصرنا شحاذون الأبرة والصاروخ .. وشتامون
الغرب المتآمر .. وذابحي رقاب الكفار !!
لا أؤمن بهذا الوطن الذي يتخيل أنه مركز
الكون ..
الشمس والكواكب تدور حوله ..
وكل الأمم تتآمر عليه .. لتنهش كنوزه
التي سرقها لصوصه المحليين .. وتهرب آثاره التي كفر بها وتعامل معها كأصنام اللات
والعزة ومناة الثلاثة
ولو كان لديه القدرة لأمر بهدمها
كطالبان وتماثيل بوذا .
وجعل حجارة الأهرام المتناثرة مزار
لحجيج المؤمنين ليروا أنه لا يعلو صوت فوق صوت الإيمان والتقوى .. أقصد لا يعلو
صوت فوق صوت المعركة !! " أي معركة يقصدون
نحن بحق .. خير أمة !
لا أؤمن بهذا الوطن الذي يفرج على عزام
الجاسوس الاسرائيلي .. وأبنائه لحمه ودمه وراء قضبانه الصدئة منذ سنين بلا تـُهم
وكل يوم يتشدق في التلفاز وأجهزته
الموضوعة تحت المراقبة أنه ضد العدو الإسرائيلي ..
وأب رحيم على أبناء شعبه
افك كله أفك
لا أؤمن بهذا الوطن الذي يصرخ كل لحظة
أنه وجدها كأرشميدس .. مخبأة منذ قرون في النصوص وهو يعرف جيداً أنه غير قادر على
الصناعة ولا الزراعة ولا الاختراع ولا الإبداع الحـُر .
هو يعرف أنه لا يتقن غير .. الكذب !!
لا أؤمن بهذا الوطن الذي لا يـُعلم
أولاده القراءة والكتابة والبحث ويطلق لهم عنان الخيال .. فيحلقوا في الواقع ..
ويجسدوا الخيال
لا أؤمن بهذا الوطن الذي لا يحترف غير
اللغة العربية ويتخيل أن الحياة يمكن أن يطورها الكلام الأجوف .. وأن النحو والصرف
يمكن أن يـُصعد حتى كلب أو حمار للقمر .. يتخيل التكرار يعلم الشـُطار .. أقصد
يعلم الأغبياء
الحرف إذ لم يصبح فعل خلاق .. يموت
موتاً أبدياً
الحرف الذي لا يزرع ولا يصنع ولا ينقي
الماء ولا يحافظ على البيئة .. ولا يرتشي ولا يزّور إرادة الشعب .. حرف مـُضل
حربائي ..
لا أؤمن بهذا الوطن .. الذي يضع شروط لا
يمكن أن تنطبق إلا على الكلاب اللاهثة لسلطة ما .. لعرش ما
وأول هذه الشروط وآخرها :
-
لديه
عربون وخبرة في الفساد
-
لا
يرى لا يسمع لا يتكلم غير التوجهات
-
يصلي
ويصوم ويحج ولكن ليس لديه مخافة لله
-
عينه على شعبه لكي يعرف من
فيهم يفكر في التمرد أو من لديه النية لترك القطيع .. يبتسم في وجوهنا ليخفي زنازينه
التي تفوق سجن أبو غريب وجوانتانموا
-
يحترف
تجويع شعبه ليتبعه .. ويرعبه ليخرسه
لا أؤمن بهذا الوطن الذي إذا أحببته
ودافعت عن قضاياه العادلة .. اتهمك بالخيانة
وإذ حاولت تقبيله قبلة الديمقراطية لكي
ينهض ويحيا من جديد .. يتهمك بالعمالة للفرنجة .. رغم أنه هو الذي يحيا بمعونتهم
.. واستهلاك منتجاتهم .. وبعد كل ذلك أنت أيها المواطن الفقير .. والمناضل ..
والوطني .. أنت العميل !!
لا أؤمن بهذا الوطن .. الذي لا يقرض
الفقراء ألف أو عشرة آلاف جنيه مصري .. ولكن يقرض نوابه اللصوص من مليون إلى مليار
.. ويأخذ عمولته مسبقاً
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي تكون عدالته معصوبة العينين .. مرتعشة اليدين .. مقطوعة
اللسان
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي أعطانا منذ سنين ظهره .. وتركنا في هذا الطل بلا سند
لا
أؤمن بهذا الوطن الذي يؤهلنا لنكون كائنات خرافية ..
نبهر
الحك السياح بالمشي على الحبال .. بسف التراب
لا
أؤمن بهذا الوطن .. الذي يسلبك روحك المبهجة
فتصير
خردة .. زفيراً داخلاً .. زفيراً خارجاً
لا
أؤمن بهذا الوطن الذ أفقدك صلاحيتك البشرية
وأنهى
تاريخ انتاجك منذ زمن
وأخذ
منك كل ما يجعلك تـُصـَنعك من جديد .. وتلدك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق