بداية مـُلحة لنزيف
دمية
إلى الذين يتخيلون أنك بقعة سوداء في
ثوبهم الأبيض الملائكي
إلى الذين يظنون أنك عارهم وخطيتهم التي
لا تغتفر
إلى الذين لم يقدروا أن يحتفظوا بقطرة
واحدة فقط من غيث الحلم
إلى الذين لم يقدروا أ يؤسسوا ولو وعداً
واحداً على الصخر
إلى الذين لم يبقى في رحابة صدورهم غير
الضيق
إلى الذين لم يقدروا على حمل نير ثقيل أو
نير هين
إلى من انتهت قدرتهم على الاحتمال ونفذ
صبر أيوبهم .. وحتى صبرهم الضحل
إلى الذين بلا شهيق .. ويحييون بآخر نفس
إلى الذين لا يحملون من الحـُب غير حـُب
الدبة التي تحترف اغتيال حبها
وبناء شمشون الغير قادر إلا على الهدم
إلى الذين يحملون كل خيوط اللعبة ولا
يتركوا في يديك ولا حتى خيطاً واحداً ..
مجرداً من كل شيء .. حتى من صراخ الاعتراض
إلى الذين يعرفون أنك بدونهم متيم بالجراح
ويتركونك على قارعة طريقهم تنزف دون أدنى
رحمة تتحلى بها قلوب الأعداء
إلى الذين لا يسمعون إلا صوتهم .. ولا
يـُقدِّرون إلا حبهم
ولا يشفقون إلا على جرحهم
هم ألفهم .. وهم أيضاً ياءهم
رغم كل ذلك .. وأكثر
أهدي هذا النزيف لهم
قصيدة ..
فارس .. مناضل .. حالم
ملاك في عين نفسك .. أو زهرة بنت الصبح في
أعينهم
مليء باللآليء والأحجار الكريمة أو مليء
بالجراح
إنسان حـُر .. وطن حـُر .. روح حـُرة
تعرف أنك قادر على حق تقرير مصيرك
بدل المرة .. ألف مرة
لم تكن لديك مشكلة هاملت يوماً
منذ البدء قررت أن تكون
وأنه لا يمكن ألا تكون
كلوحة .. قلت لمن قالوا أنه رسمها .. لا
لن تستعبدني
كتمثال قلت لنحاتك ليس لأنك نحتني
تستعبدني
كطينة قالت لجابلها .. أرجوك لا تستعبدني
كوردة قالت لزارعها .. هل يوماً ستقطفني
؟؟
كفـُلك قال لنوح قديماً .. تركتهم يغرقون
وأخاف أن تغرقني
في كل الأزمان كنت تملك حق تقرير مصيرك
حراً كنت تتخيل نفسك ..
حقيقة أم ضلال أم زيف .. لا يهم
المهم .. كانت نتائجك حـُرة
كانت ثمارك حـُرة
كانت قراراتك حـُرة
تفكر .. تحسب حساب النفقة .. وتقرر
فيتجسد حلم أمام عينيك
فتتحقق ... نشوتك القصوى
فعرفت أن سر أسرار حياتك يكمن في حريتك
فاخترت أن تكون كأسه مشيئتك
شربت كل كؤوس اختيارك حتى الثمالة
سكرت .. وأنت مفتوح العينين ترى
لم تفقد وعيك لحظة واحدة
ولم تختبيء من خطيئتك يوماً خلف شجرة
المعرفة
عارياً كنت ومازلت عارياً
وكل يوم تفتخر أنك عارياً
لا تخجل من ضعف تعرف أنه يسكنك
ولا ترتئي فوق ما ينبغي أن تكون
تحاول جاهداً في خفائك أن ترمم الثغر
ولا يهمك يعلمون أو لا يعلمون
يرجمونك أو يصفقون
يضعونك على العرش أو أسفل أقدامهم يدوسون
هم دائماً لا يدركون عمق ما هم عليه
عابرون
ولذلك مازالوا يعبرون .. عبور الحرام
يعبرون
وبعد قرون من التحرر .. وحق تقرير المصير
أصبحت لا تعلم ما عمق شعور الدمية
ما دهاليز كيان العبد
من لا يملك في نفسه شيء
من هو نفسه .. شيء
دمية .. كل خيوطها .. أركان روحها
ليست بين أناملها
عينها هي فقط الحـُرة تتحرك يميناً
ويساراً
تلقي بزواياها في كل مكان تشتهي
تدرك طريقها .. وبوصلة ضلالها
تعرف من أين يأتيها الغرق
واين شاطيء روحها
تعرف أكثر مما تعرفون
أكثر مما تتخيلون
ولكن لا تملك حق تقرير مصيرها
دمية لا تمتلك خيوطها
ومن يمسك بخيوطها .. غبي لا أعلم أم مجنون
أم دمية هو الآخر
لا أعلم .. ولا تعلمون
من يمسك كل خيوطها .. من يملك روحها
من احتلها دون إذن
من استعمرها دون مقاومة تـُذكر
من انجذبت إليه كفراشة مجنونة
كسرعة البرق هوت في أتون الإحراق
من علمها السباحة بطريقة الإغراق
من أقامها من الموت باختيار سر حبة الحنطة
تـُساق
من أذاقها طعم العرفان .. في ذروة الألم
من شق النقاب عن زفيرها فاكتشفت شهيقها في
صدره .. وكيف تشتاق
من أعطاها نسمة الحياة هو الآن مخلوق لا
يـُطاق
حـُراً .. اكتشف نفسه فجأة أنه دمية
أو دمية كانت تتخيل دوماً أنها حـُرة
المهم أنها اكتشفت الآن ذاتها
وأنها لا تمتلك حق تقرير مصيرها
حتى دورها القديم على مسرحه .. ذكريات
مـُعتقة
ودور هامشي حاولت أن تلعبه
ثانوي إلى درجة ظل الظل
لم يقبله .. أقصاها عن يمينه وعن يساره
عن مسرحه وكواليسه
أصبحت الآن في نظره دمية كاملة الأوصاف
لا تستحق الإصغاء
لا تستحق أن تدافع عن نفسها
لا تستحق غير الإفناء
دمية مرزولة .. مصابة بالبرص
خارج أسوار مدينته المقدسة .. تسكن في
العراء
لا تملك شيئاً غير دفء الداء
غير عمق الداء
غير براح الداء
وخيوطها مازالت هناك بين أنامله أو أسفل
أقدامه
في مدينته المقدسة
لا تقدر أن تستردها
ولا تقدر أن تقاوم
كيف تهزم روحها وتنتصر عليه ؟؟
كيف تصلب قدس سرها ؟؟
كيف تتحرر منه .. وتقرر مصيرها
دمية لا تعرف من اشتراها ومن باعها
تعرف فقط أنه أمسك بخيوط روحها
دمية لا تملك غير داء براءتها .. وبراءة
داءها
يا دميتي ..
يا من جربتي لعنتهم مرات
يا من جربتي التيه في بريتهم
قادرة أنت على الوحدة
ومازلتي قادرة على الغناء
أرجوكِ .. أطلبي منكِ ومني
ألا تكرري هذا النوع من الفداء
لا تكرري هذا النوع من الفداء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق