الثلاثاء، 8 أغسطس 2017

المثلية الروحية




هي محاولة الإنسان على مر التاريخ أن يعبد نظيره .. أن ينحت وثن على صورته كمثله .. أو أن يجرده من كل ما هو حسي ليصير خيالاً مجرداً
يضعه في الهيكل أو يضعه في غيب خياله 
يضعه على عرش كوكب الأرض أو يضعه على عرش السموات العلى 

 حينما بحث الصوفي قديماً عن الحقيقة المطلقة .. عن النور .. عن النرفانا .. عن الإله 
وبدأ من ذاته بالسؤال .. ليدور في دائرة البحث بين الكتب والطبيعة والتأمل والبشر والبراري .. ليجد نفسه في نهاية دائرة البحث .. وجها لوجه مع ذاته التي بدأ منها المسير بسؤال .. 
لينتهي فارغ اليدين والقلب من الإجابة .. وفي ذروة الجهاد الروحي والبحثي والفلسفي والذاتي يجد نفسه كلي العجز .. امتلأ قلبه وعقله بالأسئلة .. فيقرر في لحظة نرفانا ذاتية .. أن ينهي بحثه كما بدأه .. من ذاته وبذاته وفي ذاته .. ويصرخ كأرشميدس "وجدتها" .. وجد الإجابة .. وجد النور .. وجد الحقيقة المطلقة .. أين ؟! 

في قلبه .. في ذاته .. ويغلق دائرته التي بدأها عليه .. الإله في داخلكم .. وبعضهم في حالة الوجد صرخ الإله أنا وأنا الإله 
وتصبح الإجابة من نفس طبيعة السؤال 
ويصير المطلق على صورة النسبي 
ويصبح الحق مخلوق على صورتك كشبهك 

وبالفعل قام الإنسان من بحثه وخلوته وصومعته ليشيد في كل أرجاء المسكونة  .. معابد وهياكل لاكتشافه المثلي وغير المغاير .. للحقيقة المطلقة المنحوتة بأيدِ بشرية في أتيليه محدوديته 

ويقيم في هياكله ومعابده كهنة تحفظ عن ظهر قلب الوصايا والمكتوب .. وتكرر على القطيع كل يوم لكي يحفظ مثلها .. ويطيع وينفذ .. ويبعد أميال عن السؤال والبحث والتفرد والاكتشاف لكل ما هو مثلي وكل ما هو مغاير ..
ليصبح الجميع متشابهون ببصمة هيكلية واحدة لا شريك لها 

فيمسخ الكل في واحد .. ويمسخ الواحد في الكل .. ليصير الأثنان واحداً 
السؤال والإجابة .. الإنسان والإله .. الأرض والسماء .. النسبي والمطلق 

محاولة الإنسان عبر العصور من الهروب من المسئولية الفردية وتحويلها لمسئولية جماعية ..  لا مجهود فيها ولا مواجهة ولا محاسبة ولا مكاشفة ولا نقد .. ليمر الكلام المتكرر والفارغ والظلام للأجيال حيث ذوبان الكل في الكل ومحو الملامح

من بحث مثلي لاكتشاف مثلي لشعوب مثلية لإجابة مثلية 
لا يوجد أسهل من إجابة حربائية لسؤال حربائي 
يتأقلم يتكيف ليبقى وليستمر ولينتشر 
حيث العادة السرية الجسدية والعادة السرية الروحية 
حيث دائرة الذات وزنزانة الذات وطريق الذات وسماء الذات 
وفردوس الذات وجهنم الذات 

تقف ضعيف أمام المرايا لترى القوي 
تقف عاجز أمام المرايا لتجد القادر 
تقف مهزوم أمام المرايا لتجد المنتصر 
تخلقه على صورتك مكملا لك .. مثلك 
فتصرخ مع الحلاج " ما في الجبة غير الله"
أو أن تصرخ مع جلال الدين الرومي : " وجدتك في قلبي ومنذ ذلك الحين وانا أطوف حولي "



أصبحت الآن العارف .. الفاهم .. الحاكم .. الديان 
تحمل ورقة الامتحان وورقة الإجابة النموذجية 
أصبحت التلميذ وأصبحت المعلم .. أصبحت الألف وأصبحت الياء
بلا حياء وبلا خجل  .. وبكل كبرياء الوصول لنفسك وبكل ما هو مثلك 

وتغلق الأبواب والنوافذ في وجه المغاير 
الإجابة المفاجئة المدهشة والمغايرة 
التي ليست من دائرتك الذاتية
ليست من رحمك العاقر 
ليست من سمائك النحاسية المتوحشة 
ليست من ميزانك الراجم 

اخرج بعيداً بعيداً حيث اللا أنت 
القي بنفسك في نهر حقيقي  مغاير لا يعبر وليس بركتك أنت التي تعبرها مرات يومياً
لا تسمر نفسك أمام مرايا ذاتك أنت 
لا تخلق إلهك على صورتك أنت 
لا تسجن نفسك ولا الحقيقة في تصوراتك أنت 

أنت لست الكون 
أنت جزء بسيط من الكون 
أنت لست مركز الكون 
أنت تحبو وكلما تحبو بعيدا عنك  .. تكتشف 
سر الفطام يجعلك  .. تكتشف 
حيث السرائر ليست من هنا .. ليست كمثلها شيء
السرائر هناك في المغاير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق