الثلاثاء، 14 أبريل 2015

المـُنتحرون



الإهداء ...
لمن لا يدع الموتى يدفنون موتاهم ..
بل يحاول أن يعطيهم نسمة حياة وحرية ..




يظن البعض أن المـُنتحر فقط هو من يشنق نفسه
أو من يطلق على رأسه رصاصة عمياء
أو من يرمي نفسه في النيل ليموت غريقاً بمائه العذب

لا .. هناك مـُنتحرون يمشون في الطرقات يومياً
يأكلون ويشربون ويحلمون
يصلون إلى أعلى الدرجات
يسكنون القصور أو الجحور
من يغتالون لحظاتهم وأيامهم وأعمارهم دون أدنى اكتراث

المـُنتحرون الذين يحملون العبث بطعم المعنى
الرتابة بلون الضوضاء
الفراغ برنين الضحك
المُفرغة قلوبهم من النبض
وأرواحهم من السكينة
وليلهم من الأمان
ووجعهم من الرفقة

المـُنتحرون حاملي الشكل
راكبي سلم العمر الكهربائي
الصاعد دون إذن
كقناص ترصد لحظات عمرك تــُغتال أمام عينك
بلا حماية منك ولا من أحد
وبلا قدرة على وقف نزيفك
فتقرر الحياة كمُنتحر

المُنتحرون أصحاب الأجوبة المُحنطة
وزخارف المجاملة
وأدب حوار الموتى مع المقابر
والنهم المخزي للأشياء
والجوع المـُبـَطن بالشبع
وإنتهاء ليلي ليوم عبثي لإنتظار صباح أعبث منه

المــُنتحرون وعنبر العقلاء
واستمرار وتيرة الجنون بوجه قناع العقل
ودوران سواقي العادي والمألوف مع عقارب الساعة السرابية
وتخيل المــُنتحر أنه يتحقق
أنه يتكلم ومــُنتحر آخر يسمعه
وبين دمينو العمر وزهر طاولة الأحلام في المشروع القومي الذي يسمى بالعامية ( القهوة )
وبلغة الأكابر ( الكافية ) يكتمل الإنتحار الجمعي

وها القرية الكونية تصنع المعجزات لتساعدنا على التخلص من أعمارنا بكل يـُسر الفايبر والواتسب وتويتر والفيسبوك
وكل محاولات العالم الرأسمالي عابر القارات والقلوب والخيال لكي نجتاز غصة الإنتحار ووجعه
لكي نغلق كل مسام حواسنا الداخلية فلا نسمع جرس انذاره
ولا تأوهات من سبقونا في الإنتحار طويل الأمد
فلا ننتبه ولا نستيقظ ولا نثور ولا نفكر ولا نبحث ولا نسأل ........

من أورثنا هذا الصمت المخزي أمام أرواحنا المذبوحة ؟
من أدخلنا هذا النفق المظلم ولماذا نختار البقاء فيه ؟
من يجعلنا نتجرع كأس السم اليومي بضمير ميت ؟
من يـُسمرنا في طابور الموتى الطويل هذا ؟
من جعل الخوف يتربع على العرش .. ويصبح هو السيد
الخوف من المستقبل .. الخوف من المرض ..
الخوف من الوحدة .. الخوف من الشيخوخة .. الخوف من الموت

من جعل المال إله لهذا الكوكب الغبي ..
تشتري به كل شيء وتباع من أجله كل الأشياء
كيف تحول الإنسان إلى سلعة .. وكوكبه إلى سوق كبير
كيف تكون أغلبية من في الكوكب فقراء ولا يثوروا بل يزدادوا خنوعاً
وكيف قلة من الأغنياء تمتلك كل شيء .. مال وسلطة وتحكم العالم ولم تشبع إلى الآن

عنبر العقلاء أصبح كوكب يدور حول الشمس
ولكن ساكنيه مقتنعين أن أرضهم مـُسطحة
ملايين من الكائنات تسكنه من الأميبا مروراً بالديناصور
ولكن يتحكم فيه كائن غبي يسمى مجازاً بالإنسان

اختفت السرائر للأسف مع مرور الزمن
أصبحت محتجبة وتحتاج لبحث عميق
وكينونة جديدة
وأسئلة لا تهاب كهنوت المنتحرين ولا معابد المنتحرين
أصبحنا نحتاج لآذان تريد أن تسمع
وعيون تريد أن تبصر
وقلوب تثور لكي تنبض من جديد
وزق جديد لنضع فيه خمراً جديد

نحتاج أن نسمع .. ليكن نور
ليكن حلم
لتكن حرية
ليكن حـُب
ليكن انسان يتأنسن
لتكن حياة أفضل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق