كنت أتخيل أن جهنم ستكون جمعاء
تحمل ألفة الرفقة
وحميمية رفاق شجرة المعرفة
وأن للشر جسد واحد
عملة مزيفة للجسد الحقيقي
جسد الحب
ولأن لكل جسد أعضاء
تشعر ببعضها البعض
تساند وتعضد بعضها البعض
ولكل جذر أغصان
تسري في عروقها نفس العصارة
فتشعر بنوع من الحماية
كان هذا تخيلي المنطقي
الذي كان يعطي لكثير من رفاق درب الهاوية
نوع من الأمان الجمعي
والسخرية اللاذعة من الفردوس
ولكن مع الوقت
ومع عوامل التعرية التي أصابت برج بابل
ووقوع أكثر أجزائه .. وشرخ الباقي منه
وفتح كوة في جدار روحه على الأبدية
ولمس هدب ما لا ينطق به ومجيد
خرج من صومعته الفقيرة جدا
ليعلن أن الحقيقة غير ذلك
لا يوجد جسد واحد للشر
يوجد عهد ما .. بيعة ما .. جذب ما
بين لوسيفر وأتباعه على مر التاريخ
فالأناني الأول .. أتباعه أنانيون
كل يقطن زنزانة وحدته الموحشة
الذي يحاول مع الوقت أن يملأها بتخمة ما
حيث كنوز السوس والصدأ
وصحبة الفراغ للفراغ
وضجيج الرياح التي تصنعها بالرمال
في طريق شجرة المعرفة
الأنانية تبدأ ولا تنتهي
في البدء كانت الأنانية
الذات الجائعة للسراب
الهاوية السحيقة التي لا تشبع من جثث الموتى
في هذا النفق المظلم والمزدحم لا حميمية تذكر
حتى حميمية صراخ الألم .. وونس سماع آهات المتألمين غيرك
وإحساسك أنك لست وحدك في جهنم
حتى هذا النوع المزري من الرفقة لن يكون
لا يوجد جسد واحد في جهنم
لن تسمع غير آهاتك .. لن تشعر إلا بوحدتك
زنزانتك الفردية جدا وصمتها الموحش الرهيب
في النفق المظلم أرواح معذبة
بلا رجاء وبلا أمل وبلا طوق نجاة وبلا حضن يحتوي
حتى بلا انتظار لمجيء ما
لمخلص ما
لمنقذ ما
لمستقبل ما
في هذا الوقت الأبدي
تكتشف قيمة الإنتظار
الذي كنت تتخيل يوما أنه مزعج جدا
تكتشف أنه كان من ضمن تيجانك
التي لم تراها .. بل في أوقات حاربتها
ما أجمل الانتظار
ما أجمل الرجاء
ما أجمل المستقبل
من أبغضوا الحياة لأن لحظاتها تنتهي
وتفر كالبخار من بين أناملهم وأرواحهم
سيصرخون لتعود هذه اللحظات التي تفر
بحلوها ومرها
في زنزانة روحية أبدية لا فرار
ما أبشع الصراخ الذي لا ينتهي
ما أفظع الدموع التي تعرف أنها لن تمسح للأبد
ما أتعس الملقى عاريا وهو يعرف أن لا غطاء له للأبد
تجربة لن يدركها إلا من فتحت كوة في جدار أرواحهم
وطلوا منها ليروا بعض من .. هناك
أن هناك ستكون وحدك
زنزانتك وحدك .. صراخك وحدك .. جهنمك وحدك
ولكن في الفردوس
جسد واحد تلاميذ شجرة الحياة
عهود بالحب والعطاء ..
بدأت في الأرض ولن تنتهي في السماء
حميمية الشبع وارتواء لكل من أعطى كأس ماء بارد
واحتواء لكل من غطى عريان بحق
وحرية لكل من أطلق مسجون
ومعية لكل من زار مريض
قلبك هو أنت
كنز روحك هو أنت
من تبيع من أجله كل غالي وثمين هو أنت
ولتعلم ..
في الفردوس جسد واحد للحب
وفي جهنم ستكون وحدك أنت لا شريك لك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق