الاثنين، 21 يوليو 2014

ألذ .. ألذ .. ألذ



أكثر الفترات حبا لقلبي الساخر في التاريخ البشري فترات الجاهلية 
حيث البدائية والعفوية والحربائية الفطرية 
وقدرة البشر على اللف والدوران في نفس المكان دون ملل
واللدغ من الجحر مرات ومرات ولكن بتغيير بسيط في المقادير .. مقادير السم 
وقبوله بإبتسامة بلهاء

كانت الغرائر في الجاهلية منتصبة  
والأحاسيس مشتعلة والأفكار محلقة والحدود ملتحمة والخرائط باهته واللغة معجزية
كان المناخ غير ملوث والشمس ساطعة والقمر يصنع الخيالات ويكتب الشعر  
والخيم مليئة بالخمر والنساء
والخيول باهظة الثمن والفرسان سيوف

لماذا .. 
لأنها كانت فترات حقيقة 
عارية من كل  الأغطية والتبريرات والأقنعة التقوية والتقنية التكنولوجية  
كانوا إذا وجدوا إلها لذيذا من العجوة .. يأكلوه 
يأكلوه فورا بلا تأجيل للغد 
وإذا وجدوا إلها غالي الثمن .. باعوه فورا 
البشر والآلهة كانوا في سوق العرض والطلب



كانوا يدركون قيمة الأشياء في سوق القطيع .. 
كانوا أول من قص شريط الرأسمالية 
ومعرفة أن الزبون على حق
وكيف تصنع احتياج بيد وباليد الأخرى تصنع تسديده

الزبون يحتاج أن يشعر بسلام داخلي 
وأن أخطائه تمسح بأستيكة 
وأنه يحتاج أن يأمن مستقبله الأرضي 
وإن أمكن مستقبله السماوي 
فاشترى صكوك الغفران وقصور في الجنة 
وشطب اسمه من قائمة النار

كانت هذه بعض من احتياجات الزبون
وعلى أساسه تم تسديد احتياجاته ومخاوفه ورغباته ..تلاته ف واحد
وليه تدفع كتيييير طالما ممكن تدفع أقل

فصنعوا لكل قبيلة إله
ولكل طقس إله
ولكل شهر إله
 ولكل رغبة إله
ولكل إله معبد
ولكل معبد صندوق  
ولكل صندوق كاهن  
ولكل كاهن مساعدين 
فالحاشية هي سر بقاء الكل

كان هذا هو السوق المقدس في الجاهلية 
وكانت زبائن تأتي من كل فج عميق 
من كل قبيلة ومن كل طبقة ومن كل أمة
من يقدم قربانه 
من يعطي نذوره 
من يزرف دموعه
من يبوح بطلبته

وكانت الزبائن بتنبسط .. بترتاح
بتعرف تنام بالليل
وكمان بتحلم مش بكوابيس .. بالعكس 
بأحلام جميلة جدا
خضرة  .. نهر  .. ستيلا 4%
على رأي المثل الشعبي " الجعان يحلم بسوق العيش "

في الجاهيلة كان الإنسان ذكي 
يعرف كيف يتأقلم ويتكيف بطريقته وبأدواته وإمكانياته البدائية والبسيطة 
وجهي عملته .. رغبته وقدرته


وأمام أسئلة القطيع كان كهنة المعابد تخترع الإجابة 
فالحاجة أم الإختراع
والزبون على حق
والمعبد الذي لا يعرف كيف يريح زبائنه يخسر
ولا يجذب قطيعه  .. يخسر
ولا يرهب قطيعه  .. يخسر

والقطيع متاح ومرن ومتفاعل
يطبلوا له يرقص  .. يغنوا له يصفق
يرهبوه فيرتعب
لا يشك ولا يبحث ولا يسبح عكس الإجماع
مطيع طاعة عمياء معصومة من الإستفهام

كانت أيام جميلة وسلسة وكانت الناس مهضومة 
والآلهة العجوة .. كانت ألذ ألذ ألذ

  





الأحد، 20 يوليو 2014

إعترافات بروموثيوس



كنت أتخيل أن جهنم ستكون جمعاء
تحمل ألفة الرفقة 
وحميمية رفاق شجرة المعرفة 
وأن للشر جسد واحد 
عملة مزيفة للجسد الحقيقي
جسد الحب

ولأن لكل جسد أعضاء 
تشعر ببعضها البعض
تساند وتعضد بعضها البعض 
ولكل جذر أغصان
تسري في عروقها نفس العصارة
فتشعر بنوع من الحماية 


كان هذا تخيلي المنطقي 
الذي كان يعطي لكثير من رفاق درب الهاوية 
نوع من الأمان الجمعي 
والسخرية اللاذعة من الفردوس


ولكن مع الوقت 
ومع عوامل التعرية التي أصابت برج بابل 
ووقوع أكثر أجزائه .. وشرخ الباقي منه 
وفتح كوة في جدار روحه على الأبدية 
ولمس هدب ما لا ينطق به ومجيد 

خرج من صومعته الفقيرة جدا
ليعلن أن الحقيقة غير ذلك 
لا يوجد جسد واحد للشر 
يوجد عهد ما .. بيعة ما .. جذب ما 
بين لوسيفر وأتباعه على مر التاريخ 
فالأناني الأول .. أتباعه أنانيون 
كل يقطن زنزانة وحدته الموحشة
الذي يحاول مع الوقت أن يملأها بتخمة ما
حيث كنوز السوس والصدأ
وصحبة الفراغ للفراغ 
وضجيج الرياح التي تصنعها بالرمال


في طريق شجرة المعرفة 
الأنانية تبدأ ولا تنتهي 
في البدء كانت الأنانية 
الذات الجائعة للسراب 
الهاوية السحيقة التي لا تشبع من جثث الموتى

في هذا النفق المظلم والمزدحم لا حميمية تذكر 
حتى حميمية صراخ الألم  .. وونس سماع آهات المتألمين غيرك
وإحساسك أنك لست وحدك في جهنم 
حتى هذا النوع المزري من الرفقة لن يكون 
لا يوجد جسد واحد في جهنم
لن تسمع غير آهاتك .. لن تشعر إلا بوحدتك 
زنزانتك الفردية جدا وصمتها الموحش الرهيب 

في النفق المظلم أرواح معذبة
بلا رجاء وبلا أمل وبلا طوق نجاة وبلا حضن يحتوي 
حتى بلا انتظار لمجيء ما 
لمخلص ما 
لمنقذ ما 
لمستقبل ما


في هذا  الوقت الأبدي 
تكتشف قيمة الإنتظار 
الذي كنت تتخيل يوما أنه مزعج جدا
تكتشف أنه كان من ضمن تيجانك
التي لم تراها .. بل في أوقات حاربتها
ما أجمل الانتظار 
ما أجمل الرجاء 
ما أجمل المستقبل
من أبغضوا الحياة لأن لحظاتها تنتهي 
وتفر كالبخار من بين أناملهم وأرواحهم
سيصرخون لتعود هذه اللحظات التي تفر 
بحلوها ومرها

في زنزانة روحية أبدية لا فرار 
 ما أبشع الصراخ الذي لا ينتهي
ما أفظع الدموع التي تعرف أنها  لن تمسح  للأبد
ما أتعس الملقى عاريا وهو يعرف أن لا غطاء له للأبد

تجربة لن يدركها إلا من فتحت كوة في جدار أرواحهم 
وطلوا منها ليروا بعض من .. هناك 
أن هناك  ستكون وحدك 
زنزانتك وحدك  .. صراخك وحدك .. جهنمك وحدك 

ولكن في الفردوس 
جسد واحد تلاميذ شجرة الحياة 
عهود بالحب والعطاء ..
بدأت في الأرض ولن تنتهي في السماء 
حميمية الشبع وارتواء لكل من أعطى كأس ماء بارد 
واحتواء لكل من غطى عريان بحق
وحرية لكل من أطلق مسجون 
ومعية لكل من زار مريض

قلبك هو أنت 
كنز روحك هو أنت 
من تبيع من أجله كل غالي وثمين هو أنت 

ولتعلم ..
 في الفردوس جسد واحد للحب 
وفي جهنم ستكون وحدك أنت لا شريك لك