لا أعرف من منا جرب الموت يوماً
في ذروة الحياة
في أرض المنحوتات
كل مخلوق طيني يأخذ من الطين ليكمل
ملامحه
جبل الطين يكاد يجف
الكل يأخذ منه بنهم
لتصبح الملامح أكثر حدة
أكثر تخمة
وكأن تراكم الطين على ملامح التماثيل
يجعل المنحوتات تخلد
وكأن ملامحنا كنوز لا تفنى ولا تستحدث
من عدم
نتصارع من أجل قطعة طين
نتحاور نتخاصم نتقاتل
وتنزل دمائنا لتجعل طين المنحوتات أكثر
ليونة في التشكل
ملايين من الوجوه
ومن ألوان العيون
ومن ألسنة الذئاب الخاطفة
والذات جائعة تجول ملتمسة من تبتلعه
فالطين يشكل جنة صاحبه
والدم النازف منا يشكل ناره
والطين كل يوم يرسخ فكرته
تأكل منها كالعلي تكون
تمتد أوتادك وتتسع تخومك
فتصير أنت الألف والياء
وتقرر مصيرك
تجوع فتأكل
تخاف فتختبيء
تعطش فتشرب من بئر لا يضبط ماء
عريان ولدت وللأسف عريان تموت
والطين مع سبق الإصرار والترصد مازال
يشكل ملامحك
تراب يحدده تراب
فناء يـُخلده فناء
داء يصغي لداء
ستكون كالعلي
ولكن بلا حب
بلا قدرة
بلا سلام
بلا حرية
بلا رفقة
بلا مشيئة
تائه في برية الأنا
بلا أرض موعد
وبلا عنوان
تائه في فخ اللحظة الآنيه
التي تمسك بيديك المكفوفتين لتأخذك
لمكان آمن
وفي نفس لحظة ملامسة اناملك لها
تختفي تتبخر من بين أناملك
لتعطيك للحظة أخرى آنيه
لتفعل فيك فعل المفعول في المُمسكة في
ذات الفعل
وهكذا دواليك
لتصبح بقية عمرك تائه
وتكتشف أنك خـُدعت
وانك لم تكن كالعلي لحظة
ولم تقدر أن تتشبه حتى به
أبعدك عنه بـُعد المغرب عن المشرق
بــُعد الذات المنفصلة عن الحميمية
بــُعد كوكب مظلم عن مدار شمسه
ذات الطين لا تشعر أبداً بالإكتمال
فتزداد خطأ بالأمل
وتظل باحثة بالعمل
فتخمة ميزان الحسنات الموجب
وتخمة ميزان السيئات السالب
يجعل ميزان الذات ثقيل جداً
فيهرول نحو القاع
نحو الهاوية
نحو الغرق
حسب ثقل ميزانك
تغرق في طبقة ما .. في وحدة ما
من تراتبية بحر الظلمات
زنازين الوحدة الموحشة
وصدى آهات تسمعها آهات
تيه برية الذات
حوض السمك الكاذب
ليس بحراً ما تسبحي فيه يا أسماكي
وليس العلي من يطعمك كل يوم
أنا الذي أطعمك
وليس هو من قال لك في الصباح
ليكن نور
أنا من فتحت الستائر في الصباح الباكر
أنا من جوعتك يوماً
وصرت فقيرة تصلي وتصرخي وتتسولي
الطعام
أنا لست العلي
كنت مسافر وتركت جائعة
حوض السمك كاذب
أحلامه كاذبة
أفكاره كاذبة
لا بحر فيه
ولا رزق
ولا قدر
ولا موج ولا مطر
ولا صياد ولا خطر
شبه لك يا أسماكي
شبه لنا بحراً
ست مليار من البشر في حوض سمك كبير
عيون الذات الضريرة معتمة
وقلب التائهون في برية ذواتهم
قلب بلا بوصلة
حوض سمك كبير
وبرية الذات كبيرة صحراء شاسعة
تشيد بالأعمال لكي تفتخر
تبني برج بلبلتها
تقطف تفاحة ذاتها
لكي تصير كالعلي
بداية النهاية
وقال لوسيفر في جنة البدء
كلوا من شجرة المعرفة فهذا هو جسدي
واشربوا عصارتها فهذا هو دمي
فتصيروا أنتم وشجرة المعرفة واحد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق