الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

الأقنوم الرابع



الله لا محدود .. قدوس .. كلي القدرة .. وكلي المعرفة وسرمدي 
ولم يراه أحد قط .. وكل ما في خيالك فالله بخلاف ذلك 
هكذا يؤمن كل مؤمني كوكب الأرض رغم اختلاف أديانهم ومخاوفهم وأحلامهم وعجزهم 
هكذا تنطق الألسنة

ولكن على مسرح الأرض والتاريخ والجغرافيا .. دماء وحروب وجدال ومناظرات ومجلدات .. تشق النقاب عن مساحات من الغيب .. تشرح الكثير من المجهول بكل ثقة تكاد تكون معصومة .. تفاصيل مجهولة  تأخذك إلى تفاصيل مجهولة أكثر .. ويقين كاهن الأرض وحاخام الأرض وشيخ الأرض يفوق يقين علماء العلم المثبت والوجودي 

هل هو طبيعتين أو مشيئتين .. صفاته وأسمائه .. تدبيره وقدره ونبؤات الأزمنة الأولى والأخيرة .. من يحب ومن يبغض .. من معه ومن ضده .. أين طائفته ومذهبه وفرقته الناجية .. من أدرك وفهم وفسر كلامه كما كان يقصد .. من عرف مقاصده وغاية حرفه .. ماذا كان يفعل في الأزل .. وكيف يدين في الأبد 

تفاصيل التفاصيل ونمنمات النمنمات ونحت ملامح كل ما هو غيبي بكل جرأة العارف والروحي والمتحزلق الورع المفوه الخاشع الدامع الفاهم السامع اللامع 
 والقطيع المطيع المريع الشنيع الفظيع يسلم الجميع للجميع 
وتصنع حروب المصدقين ضد المصدقين .. المؤمنين ضد المؤمنين .. المعصومين ضد المعصومين ! 

- نرمي المال إلى فوق تأخذ السماء ما تأخذ ومن يسقط على الأرض فهو لنا - نكتة كل العصور 

نرمي الدموع والأحلام والمخاوف والوعي والقلب إلى فوق .. تأخذ السماء ما تأخذ ومن يسقط على الأرض فهو لنا  .. يصبح ملك بائعي الصكوك الباطنية والروحية والدينية 
 يحلم الجائع بالخبز .. والخاطيء بالقداسة .. والخروف أن ينام في حضن الذئب آمن 

عندما تشاهد فيلم الإنسان على كوكب الأرض تندهش .. كيف تحول من خائف إلى مطمئن ويبيع الطمأنينة في حارة الخائفين كل يوم 
كيف تحول من سائل إلى حامل أجوبة تفوق الجبال .. تقرع الأبواب لتوزع الإجابة للسائلين 
كيف تحول من خاطي يهرب من وجه الرجم الداخلي .. إلى جامع حجارة يصدر حجارته لكل الراجمين 
كيف تحول من غير مستحق وروح محتجبة .. إلى كلي الاستحقاق والتميز الإستعلاني والإستعلائي 
كيف تحول خجل العطاء .. إلى أن تعرف يساره ما تصنعه يمينه وتذيعه على الشاشات لكل الأعضاء 
كيف تحول الإنسان الذي كان يحبو في المجهول ويعرف أنه يعرف بعض المعرفة وبعض النور وبعض الفتات الساقط .. أن يتعجرف ويتكبر ويتجبر إلى الدرجة القصوى 

وكأنه سلك طريق آخر غير طريق التواضع الذي عندما تسير فيه تكتشف عدم استحقاقك أكثر.. تكتشف جهلك أكثر .. تكتشف فقرك أكثر .. تكتشف استفهام أعمق ..  تكشف أنك بدأت الطريق على قدميك مهرولاً وأنهيته تحبو .. تكتشف تبخر كل إجاباتك المعصومة وكل أحكامك المسبقة والمعلبة والنمطية .. تكتشف أنك لست مـُـشمع بالشمع الأحمر كما كنت تظن .. وأن عطشك أصبح أكثر عطشاً .. وجوعك للخير أصبح جائع جداً 

وأنك لست إلها في مجمع الآلهه الساكنة على جبل  الأولمب .. وأن ما تقوله على المنابر لا يعرفه غير الأقنوم الرابع  .. وأنت لست هو ولن تكون 
فلست إله الخير أو إله الشر في المانوية الثنائية .. حتى 
إحساسك بالتعالي لن يجعلك تصل لمرتبة لوسيفر .. قبل السقوط تشامخ الروح المتخيلة أنها العارفة 
الصعود فوق جبل العلي لم ينجح في الوصول إليه أحد 
والتماهي مع العلي .. شرك .. وتخيله الكثيرين 
أنت لست هو 

ستظل تعرف بعض المعرفة وبعض العلم وبعض الأجوبة 
وكل ما تعرفه لا يعطيك حق الحرب 
لا يعطيك حق التعدي 
لا يعطيك حق الاستعلاء 
يجعلك فقط متواضع وغير مستحق ومحتجب وتحبو 

فأنت لست الأقنوم الرابع 
أنت لست هو

الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

أعمدة الملح الحالمة




كوكب الاجهاد في كل مكان
لم ينجو أحد منه
نحاول فقط التذكر والوقوف بين حرف وحرف
في هذه المساحة البيضاء الوحيدة المسموح بها .. للتنفس
وحمل بعض الحقائب من الزمن العتيق

ابتسامة من القلب كانت
حرف معصوم من الزيف
عهد لم يخترقه باب خلفي
ودفء ليس كمثله دفء
وشغف ترك مكانه نتوء في الروح وصمت أبدي
هنا كان الحضورالكلي
كل شيء كان له معنى
كان له طعم لا ينسى
ورائحة مثل الفردوس الخفي

أنت لست كالأمس
ولن تكون كالغد
متحرك كنهر يخاف التوقف
كقطار مجنون لا يؤمن بالأرصفة الفولاذية
كآلة وترية مخبأة عن متسكعي العزف
تنتظر الاكتشاف المباغت كالبرق
لن يأتي لص الفجر في معسكر للعسس
لا تنتظر

ماذا أفعل إذاً
وقد تركت خلفي كل أعمدة الملح الحالمة
وهرولت نحو الموعد
أرض تفيض لبن وعسل
هكذا قالوا في النبؤات

وأنت لم تكن من العذراى الحكيمات ولا حتى من الجاهلات
كنت فقط أنت .. ولا غير
لحم ودم وبعض الأغنيات

شجيرة وجدت .. شجيرة أكلت
سقوط سقطت .. قيامة فقمت
صعود لم تصعد .. بقيت
أكملت المسير يليه المسير يليه المسير
جلجثة هويت
شهوة الصديق الأثيم .. اشتهيت

والآن يأكلك الظل
فتضحك
وتعرف .. أن الوقت قريب