الثلاثاء، 16 فبراير 2016

عـُري بلا سقوط وبلا فداء

 


تظل أعمق مـُعضلة في العلاقات الإنسانية 
أن يعرف الإنسان حقيقة فكر الآخر نحوه
ولأن الإنسان كائن لا يــُظهر كل ما يــُـبطن 
ويقول بعض وليس كل ما يفكر فيه 
ويفيض بجزء ضئيل من هرم خياله المختفي في أركان كيانه 
يظل يوم القيامة والدينونة أمام الإله .. والمصارحة والمكاشفة الكلية مع آخر بشري ..
وجهين لعملة واحدة .. عملة العــُـري الكــُلي 

ويظل الله في كل الأديان مـُـتفرد بأنه كــُـلي العلم وكــُـلي المعرفة 
يعرف كل خباياك وتفاصيلك ونمنماتك وسكونك وبوحك المسكوت عنه وسرائرك العميقة جداً 
وتظل المسافة بين الأرض والسماء تعطيك كل الفرص وكل البراح المــُـتاح 
لتعرف ذاتك بحق ولتقترب رويداً رويداً من آخر .. لتشق حجاب كيانك الحقيقي المُخبأ 
البعيد عن أعين الناس الفضولية والمتلصصة والمنبهرة والمشجعة والراجمة 
ولتسقط كل الشماعات من دواليب كيانك .. ولتكشف زيف تبريراتك 
ولتواجه مسئوليتك وجهاً لوجه ..  وتواجه آخر 

وتظل الفرص تعبر عليك لتسقط اللجام عن بوحك الحقيقي 
وتسكب قارورة طيب خيالك ونواياك وانطباعاتك وأفكارك بوضوح ويــُـسر 
دون أن تخاف لعنة أو رفض أو طرد أو نفي 
في فردوس هذا النوع من العلاقات .. لا تفاحة ولا سقوط ولا فداء 
رويداً رويداً يكشف ويكتشف يعرِف ويــُعرف 
وتسمع من الآخر ما لا يمكن أن تتخيل أنك كنت ستسمعه منه عليك 
وترى خياله وانطباعاته وأفكاره .. عليك 
بلا خوف وبلا مجاملة وبلا تردد وبلا غضب 
لا ينتظر منك تصفيق أو رجم 
ينتظر منك فقط إصغاء حقيقي لما هو بداخله نحوك 

مفاجأة .. ستسمع ما لم تسمع به آذان 
سترى ما لم تراه عين 
ما خفي كان أعظم .. أعمق مما تتخيل 
سيضعك أمام الحقيقة العارية  .. للآخر ولك
بدون أقنعة الخوف ولا حربائية المجاملة ولا مكاسب اللحظة الترابية 

ولكي تتخيل ما أريدك أن تدركه 
راجع كل تاريخك السمعي من هؤلاء على هؤلاء 
صديق عن صديق 
حبيب عن حبيب 
أنا لا اتكلم عن بوح الأعداء 
عن نميمة الأعداء 
عن رجم الأعداء 
لا

اتكلم عن من يهمك معرفة صورتك الحقيقية بداخلهم
كيف يرونك 
وكيف يسمعونك 
وكيف يتخيلونك
كيف يتهمونك 
وكيف يبرئونك  
وكيف يرسمونك على جدران كيانهم الخفي 

أعرف أن هذا النوع من العــُري صعب للغاية 
ويكاد يكون مستحيل في كثير من العلاقات العميقة
وأعرف أنه يحتاج لتفرد حقيقي لطرفي معادلة العــُري 
وأنه يحتاج لرغبة ولقدرة ولوقت 
من لم يتعرى أمام نفسه لن يقدر أن يتعرى أمام آخر 
ولا يقدر أن يرى صورته العارية في عين آخر 

ولكن إذ لم تخـُـض هذا المشوار مع آخر 
رويداً رويداً 
ستظل واقفاً على حدوده وسيظل هو رابضاً خارج بابك 
فالمعرفة الحقة مغامرة قصوى 
لا تخاف الخسارة ولا تشتهي ربح 
ولذلك تحتاج لكثير من النضج .. من التطور .. من التفرد 

وبعد سنين رأيت بشراً تتخيل أنها تسكن بشراً 
ورأيت بشراً تتخيل أنها تعرف بشراً
ولكن في الحقيقة كانت تسكن السراب 
حبيسة في تصوراتها الذاتية جداً 

ورأيت بشراً لم تبرح أنانيتها شبراً وتتخيل أنها العطاء
متربعة في برجها المتعالي الوهمي وتتخيل أنها متجسدة في أرض الناس  
الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على تضليل ذاته وتضليل الآخر 
خسارة نفسه وربح الوهم
وتظل الحقيقة الوجودية تـُعلَن بكل وضوح للمبصرين 
أن لا ربح بلا عـُـري .. ولا عـُـري بلا آخر
ولا آخر بلا قلب بمقعدين 
ومركب بمجدافين .. لك وللآخر  





الجمعة، 5 فبراير 2016

كواليس الخارجين عن النص



المتفردين .. الإستثناء .. الخارجين على النص
الملهمين بشغف مستفز
هواة الأحلام المــُربكة
أصحاب الأرق الوجودي بحضورهم
المدافعين عن السؤال إلى درجة الإستشهاد

وتخيل القطيع السرابي .. في إمكانية التشبه بهم
وإعتبار أن للتفرد قدوة
والإستثناء كأنه هدف نبيل يمكن الوصول إليه ببعض المجهود
فيعافر في أرض الخوف ليصل للشجاعة
ويناضل في سجنه ليصل للحرية
ويغامر في عنبر العقلاء ليصل للمنطق
ويحاول أن يحوَل العادي والمألوف إلى مدهش
والطعم المــُنفر إلى جذاب جداً
والفارغ إلى حضور

سنين في مدرسة القطيع لم ينجح أحد
لأن تراكم الكم والكيف سر معجزة الحلولية
والسؤال الغبي إجابته ستكون غبية
- دعوا الموتى يدفنون موتاهم -

مع الوقت يتضع التفرد ويكسر مرايا الجذب الخرافية
مع الوقت لا يترك آثار أقدامه تصنع خريطة وهمية
يصل إلى ما يصل إليه بإتضاع وبصمت وباحتجاب
اللغة لا تقدر أن تجسد تجربتك الخاصة جداً
اللغة تقدر أن تــُحرفها فقط
تجعلها حربائية .. تناسب كل الأجسام
فيتخيل المــُـكرر أنه عاش ما يكرره بالكلام
فالببغاء لم ولن يصل
والقرود مازالت تسكن الجبلاية هناك
فلا تقلد أحد
ولا تتخيل نفسك مرايا انعكاس

الاستثناء شاق جداً
وفي أوقات كثيرة .. وهمي جداً
فلتزرع أرض ولتجتهد
وسالم على قدر طاقتك
وواجه حقيقتك وغربتك
واقبل حصاد زرعك برضا
وثمارك بلا هزيمة أو إدعاء انتصار
كن أمينا في القليل .. واحترمه
اشبع به بلا تخمة
ارتشف من كأسك بحكمة
فأيام العطش أطول من لحظات الإرتواء

واعلم أن الكل باطل .. لمن كان يبحث عن سر الشبع في الأشياء
واعلم أن الإختلاء فريضة العاشقين بحق
وأن لا وصول على مسرح الأضواء
وأن الاحتجاب سر سرائر الشفاء