يحبو الإنسان ليصل بعد فترة من النمو والتطور ..
أن يتخيل أن كوكبه المُسطح الذي تدور حوله الكواكب والنجوم وتسبح بإسمه وحمد كوكبه المُسطح ..
فهو وكوكبه المُسطح جداً مركز الكون وهو أعظم من في الكوكب وبالتالي هو أعظم ما في الكون ..
أصبح الإنسان في حالة من الزهو والكبرياء المراهق عندما تخيل نفسه أنه جالس على عرش الهرم الكوني كله ( وأنه المفتح في فصل العميان ) - ( وأنه أطول كائن في صفحة القصيرين )
فجعل نفسه إلهاً أو نصف إله حسب تواضع سيادته الألوهية وجعل للحياة معنى وللخلود معنى وصنع نار لمن لا يخضع لسيادته وجنة مليئة بالخيرات لأهل الثقة .
فهو مانح الحوافز والعطايا لعابديه وهو المانع على أعدائه
ومرت الأيام والسنون وجبال تشلنا وجبال تحطنا وانتهت عصور الظلام والمراهقة البشرية المتكبرة .. وقلب جاليلو مائدة الخمر البشري وكسر كأس نشوته النرجسية ..
وقال له المفاجأة .... كوكبك مش مُسطح ومحدش بيدور حواليك ولا بيتأمل في جمال طلعتك البهية ولا حد بيسبح بإسمك ليل نهار .. يا عم الإنسان الأمور
ومع تقدم العلم واكتشاف القليل جداً من حقيقة الكون والكم الهائل من المجرات والنجوم والكواكب .. اكتشف الإنسان أن كل لحظة يرجع إلى الوراء بعد أن كان ليس فقط في الصف الأول من الكون .. بل هو أول الصف ( الألفة )
صفعه العلم صفعات متتالية على وجه المتكبر والمتخم بإحمرار الخمر البشري ..
وكان صوت التحذير الديني .. احذر .. الإنسان يرجع الى الخلف .. الإنسان يرجع الى الخلف .. الإنسان يرجع الى الخلف
إلى درجة أصبح في طابور الكون رملة من رمال المحيط .. طوله أقصر من عـُقلة الأصبع
طوفان العلم والإكتشافات جرفت كل قصور الرمال الحالمة المشيدة على شواطئ التخيلات البشرية .. فكان رد فعل الإنسان طالما خسر مركزية الكوكب والكون أن يجعل العالم بلا معنى بلا أهداف نبيلة بلا محاولة من جعله مكان أفضل ..
بل قال لتكن فوضى .. فكانت فوضى
ليكن عبث .. فكان عبث
لتكن تخمة .. فكانت تخمة
طالما لا إنسان على العرش .. فلا إله في السماء
وجلس يغني ( زي قلبي ما ضاع .. تضيع كل القلوب بعده )
فالمعنى كان موجود عندما كان هو مركز الأرض وكانت الأرض مُسطحة وكل الكون يدور حولها دوران مربع أو مستطيل متحيز !!!
وجاء العبث عندما اكتشف أنه صغير جداً في كون فسيح جداً
العجب العُجاب .. أن التاريخ البشري في وقت أسطوريته أو في وقت علمه .. احتفظ بكبريائه المزري
ماتت أسئلة في الطريق وسقطت إجابات وتبخرت حقائق كان يظن أنها معصومة .. ولكن احتفظ بكبريائه
احتفظ ببوصلة ضلاله
امتحن كل شيء حوله ولم يمتحن قلبه
سخر من الكل ما عدا نفسه
أخذ مسافة للرؤية الصحيحة مع كل الكون .. واتحد إلى درجة النرجسية مع مرآته
ففقد تواضعه وخسر نفسه وربح العالم
.. ولم يكتشف أن المعنى موجود أكثر في الإتساع ..
والعمق تكتشفه عندما تعرف مكانك الحقيقي في الصورة الكـُلية ..
حتى لو كان مكان صغير جداً وفي الصف الأخير بعيداً عن ضوضاء الصف الأول
وكيف يحتجب الأب البشري السوي على مسرح حياة ابنه لكي يتطور في حرية دون قهر الأبوة وسـُلطة الأبوة ووصاية الأبوة وقدرات الأبوة على إلغاء الإبن وجعله مسخاً وصفراً ..
فالإحتجاب وحرية الإكتشاف وحرية الاختيار أن تقترب أو تبتعد بإرادة حُرة هو من يعطي الحب والإيمان والصداقة والأبوة والأمومة ..
أبعاد عميقة ومتميزة تحمل من النضال الروحي والإنساني ما يفرق نجم عن نجم .. بين الحكيمات والجاهلات .. بين المتواضعين والمتكبرين .
من يعرف أن أسئلته أكثر حكمة من إجاباته
وأن أثقال تخيل الصواب والعصمة سقطت رويداً رويداً في الطريق وهي من أسباب عدم غرق مركبته إلى الآن ..
وأن التواضع يحمل من البحث والشك والمغامرة أكثر بكثير ما يحمله الكبرياء المليء بالتسمر والطمأنينة الزائفة والإبتسامة البلهاء ..
وأن اكتشاف أن العالم أعمق منا بكثير يجعلنا أكثر سعادة لأننا أمامنا الكثير لنكتشف لنسبح في نهر السباحة الذي لم يعبر إلى الآن .. نبحث فنعرف نقرع فيفتح لنا نسأل فنلمس هدب ثوب الإجابات العميقة
لا يوجد أجمل من كون عظيم وإنسان بسيط ولكنه يعي ويفكر ويرسم ويغني وينحت ويكتشف ويخترع وينقد ويعترف
بلا وصاية وبلا قهر قدرة لا محدودة وبلا طوفان غيبي .. فالحب احتجاب وحرية
احتجاب وحرية .. احتجاب وحرية
فسر الحُب يكمن في الإحتجاب والحرية